بينما تمثل الفجوات بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل أحد أهم التحديات التي واجهت التنمية الصناعية في كثير من دول العالم، فإن الاستراتيجية التنموية التي تبنتها دولة الإمارات أدركت ذلك مبكراً، واعتمدت تنفيذ برامج وسياسات وشراكات ابتكارية للتعليم والتدريب التقني، بهدف خلق كوادر وطنية ماهرة وقادرة على النهوض بالصناعة الوطنية في عالم تقوده التكنولوجيا شديدة التطور. وعلى مدار السنوات السبع الماضية، ومنذ عام 2015 وصولاً للعام الحالي 2024، يقود مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني الجهود الوطنية لترسيخ التنافس التقني بين طلاب المدارس بطرق ذكية ومبتكرة.

ففي أسبوع التعليم التقني والابتكار الذي ينفذه المركز سنوياً، والذي عقدت دورته الأخيرة في الفترة من 18 إلى 22 فبراير 2024، يجتمع أبرز خبراء التقنية ورواد المؤسسات الصناعية الوطنية تحت سقف واحد مع الطلبة والمعلمين. وتحت هذا السقف، ومن خلال ورش العمل الذكية والمعارض المصغرة والندوات المركزة، تتفاعل الأفكار وتتناغم الرؤى وتتواصل الخبرات بين الخبراء ورواد التصنيع والمعلمين والطلاب، لتكون النتيجة نمو الوعي التقني وارتفاع الطموح لدى طلاب المدارس في مجالات الابتكار والتكنولوجيا التطبيقية.

ويمكن القول إن الآثار والفوائد التنموية التي تخلقها مثل هذه الفاعليات الابتكارية لها ثلاثة وجوه تتصل بتعزيز السمعة التقنية الإماراتية عالمياً وتطوير الكوادر التعليمية والتدريبية الوطنية والنهوض بالصناعة الإماراتية المعتمدة على الابتكار التكنولوجي.

إن الوجه الأول لهذه الآثار التنموية هو أن تترسخ وترتقي القدرات الإماراتية في مجالات التعليم والتدريب التقني والمهني، لتقود دولة الإمارات الجهود الدولية في هذا المجال التنموي بالغ الأهمية.

فمن خلال اجتماع منتدى القادة الذي يعقد ضمن فاعليات أسبوع التعليم التقني والابتكار، تُستخلص الدروس من التجارب الدولية الناجحة، وتُطرح حلول عملية للتغلب على التحديات التي تواجه التعليم والتدريب التقني، ليصبح هذا المنتدى منبراً عالمياً رائداً لخبراء التدريب والتقنيين على مستوى العالم.

والوجه الثاني من التأثيرات التنموية لفاعلية أسبوع التعليم التقني والابتكار هو أن يمتلك قطاع التعليم والتدريب الإماراتي كوادر عالية التأهيل وواسعة الاطلاع ولديها معارف ومهارات استباقية قادرة على تجهيز الطلاب لمهن وتقنيات المستقبل في قطاع الصناعة وغيره من القطاعات التنموية. وبالفعل، تؤكد بيانات البنك الدولي أن نسبة المعلمين المدربين بمراحل التعليم المختلفة تصل إلى 100% من إجمالي المعلمين.

وانعكاساً لهذا المستوى الفائق لمهارات المعلمين بمدارس الإمارات، تتنوع وتتزايد الابتكارات التقنية التي يقدمها طلاب المدارس ضمن فاعليات هذا الأسبوع عاماَ بعد آخر، ما يعني استجابة قوية من طلاب الإمارات لمهارات وتقنيات أسواق العمل المستقبلية. أما الوجه الثالث من أوجه الاستفادة من أسبوع التعليم التقني والابتكار، فهو الدعم الكبير الذي يتلقاه قطاع التصنيع الوطني عالي التقنية، سواء بإتاحة الفرصة لرواد هذا القطاع للاطلاع على المستجدات الدولية للتعليم والتدريب التقني وبما يساعدهم في تطوير رأسمالهم البشري، أو لعرض إمكاناتهم وخبراتهم وابتكاراتهم ضمن فاعليات هذا الأسبوع، والذي أصبح يكتسب زخماكً دولياً متجدداً.

ويمكن الاستدلال بتطور صادرات التكنولوجيا المتقدمة الإماراتية للتأكيد على الفوائد التصنيعية الكبيرة التي يخلقها أسبوع التعليم التقني والابتكار، حيث تشير بيانات التجارة الخارجية للإمارات إلى تسارع نمو صادرات التكنولوجيا المتقدمة كنسبة من إجمالي الصادرات الصناعية (من أقل من 3% في عام 2018 لتصبح نحو 10% في عام 2022).

ومع ما حققته دورة العام الجاري من أسبوع التعليم التقني والابتكار من نجاحات، والتحسن المستمر لقدرات الطلاب والمعلمين والكوادر التقنية في دولة الإمارات، فإن ذلك سيسهم في تعزيز عملية التنمية المستدامة التي تشهدها الإمارات، وسيصبح العام الثاني للاستدامة عاماً لتحقيق المزيد من الابتكار والتصنيع المستدام.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.